نظـر فرأى تجمعـًا على رصيف أحد الشوارع الرئيسية وقد جلس كل من في الجَمـع وبجواره معول ومطرقة قد ربطهما معاً بحبل بالٍ و مسندًا رأسه على راحتيه وينتظر مَن يأتي كي يستأجره. إنه ينتظـر أي عمل، في أي مكان، تحت أية ظروف، مقابل أي أجر.

جلس الكهل بجوار هذا الجمع، و بدا كأنه قـد استأثـر لنفسه بهموم الدنيا وربطها مع معوله ومطرقته وجلس يتأملها يشكو
منهـا وإليهـا. ملامح الرجل عتيقة، وجهه كانت آثار الدهر محفورة عليه، عيناه خشتا أن تنظرا إلى مآسي صاحبهما فغا

فلم يكن به سوى المعول والمطرقة و.... الهـمـوم

رتا هرباً داخل وجهه، أذناه الكبيرتان كانتا -على الرغم من حالة تأمله و شكواه- تصغيان إلى ما حولهما كي يأخذ فرصته عندما يأتي المستأجر، بشرته السمراء الجدباء التي كانت ترويها قطرات عرقه كانت تشبه تلك الأرض التي تركها وأتى إلى المدينة.

كان الكهل غارقاً في بحر تفكيره عندما هبّ فجأة وخرج من حالة تأمله، وأخذ -على الرغم من ضعفه- يجري هو ومن معه ناحية المستأجر الذي جاء ليستأجر مجموعة من العمال، حاول الكهل أن يتقدم الصفوف رغم مدافعة الشباب والصبية له، ولسوء حظه -أو لحسنه- فإنه لم يتم اختياره، فرجع إلى مكانه يجر رجليه وغرق في تأمله وشكـواه.

في صبيحة اليوم التالي، كان الجمع على حالة الأمس، كل في موضعه ووضعه، إلا موضع الكهل، فلم يكن به سوى المعول والمطرقة و.... الهـمـوم.