«معلهش».. كلمة السر في حياة المصريين

الجمعة، ١٤ مايو ٢٠١٠ بواسطة كريم
في كل الكتب الأجنبية التي تحاول أن تقرأ تفكير المصريين.. ستجد لكلمة "معلهش" دائما مكانا محفوظا.. "معلهش"هي الكلمة التي تثير جنون الأجانب بنفس القدر الذي تريح به دماغ المصريين.. الكلمة التي تعني كل شيء بالنسبة لنا ولا شيء بالنسبة لهم.. يصرون هم علي فهمها.. رغم أننا نستخدمها للتعبير عن عدم الفهم.. وعن عدم وجود أي مبرر منطقي.

يحلل الأجانب مدي سخف المصريين وهم يستخدمون كلمة معلهش.. أما بيل دريك، مؤلف كتاب الأبعاد الثقافية في مصر، فاختار الطريق الصعب.. لم يلف ويدور حول كلمة "معلهش" كما تلف هي وتدور عليها.. لكنه قرر، وبشجاعة يحسد عليها، أن يواجه معلهش.. وأن يترجمها للأمريكان، لأنه كان مقتنعا تماما بأن من يفهم "معلهش".. يفهم 90% من نفسية الشعب المصري.

كانت نتيجة المحاولة الانتحارية للأمريكي بيل دريك، أن ترجمة "معلهش" وحدها كادت تلتهم نصف فصل من كتابه.. فكف عن المحاولة بعد التفسير العشرين.. وقال عن "معلهش" إنها أكثر الكلمات مكرا في العامية المصرية.. بل في كل لغات العالم.. وهي أيضا أحب كلمة لقلوب المصريين لأنها صالحة للاستخدام في جميع الأغراض.. فمثلا، يمكن أن تعني معلهش: أنا آسف.. أو أرجوك.. أو من فضلك اعذرني.. أو دعنا ننسي الموضوع.. او لا داعي للنقاش.. أو لا تستخدم هذا ضدي.. أو لا تأخذ مني موقف.. أو لا بأس.. أو حصل خير.. أو لا تفكر في الموضوع.. أو هدئ نفسك.. أو خذ الموضوع ببساطة.. أو أنا واثق أنك ستتفهم الموقف.. أو لا تربك الأمور.. أو انتظر وستري (بمعني التهديد).. أو انتظر وستري (بمعني التعقل).. او لننتظر ونري (بمعني الصبر والبال الطويل).

رغم كل هذه المحاولات الجادة لتقريب معني كلمة معلهش إلي أذهان الأمريكان.. إلا أن بيل دريك لم ينجح تماما في الوصول إلي "قلب" معني الكلمة الذي لا يحسه سوي المصريين أنفسهم.. عموما.. يكفيه شرف المحاولة.. معلهش!

يكفيه أيضا.. شرف أن وضع كتابا يرسم للناس صورة الحياة في القاهرة دون أن يحقر من أهلها.. دون أن يصدع رءوسهم مثل غيره بالكلام عن أكوام الزبالة في الشوارع وأسراب الحمير التي تستحم في النيل.. يكفيه أن وضع كتابا يحاول أن يقرأ الفوارق الثقافية بين المصريين وغيرهم من الشعوب بكل تحضر.. اعترف بأن شكل المصري الذي يبصق في الشارع يمكن أن يثير نفور الأجنبي.. لكنه أكد للأجنبي أيضا أن المصري قد ينفر منه لو رآه لا يغسل يديه بعد دخول الحمام.. أو لو رآه يتمخط في منديله ويضعه في جيبه بكل ما يحتويه.. هي عادات لا يوجد فيها صواب أو خطأ.. مجرد اختلافات.

قال المؤلف إن القاهرة مدينة قذرة مليئة بأشخاص في منتهي النظافة.. الجو مترب.. والشوارع مغبرة.. والزحام خانق.. لكن الناس يحافظون علي نظافتهم الشخصية قدر المستطاع.. فليس لهم ذنب في طبيعة بلادهم.. ومواصلاتها وشوارعها.. المصري بشكل عام شخص نظيف.. متدين.. يحب العائلة.. لا مشكلة عنده في الصداقة.. لكنه لا يظهر مشاعره الحقيقية بسهولة.. يحب أن يظهر لنفسه وللآخرين أنه شخص ناجح.. والثروة والممتلكات المادية دليل علي ذلك.. يتحدث عن كل الأخطاء والعيوب الموجودة في بلده.. ويكره الذي يقول آمين!

قال بيل دريك: إن مفاتيح المصريين أكثر سهولة مما تتخيل.. وإن بعض الحلول البسيطة في التعامل معهم، يمكن أن تحل.. أو تربط، العديد من المشاكل والعقد، فمثلا، كانت مفاتيح التعامل مع الشخصية، وطبيعة الحياة الشخصية المصرية بشكل عام هي:

< افترض دائما أن الناس طيبة! لأن المصريين بالفعل شعب طيب.. تسعده التفاصيل البسيطة (وتضايقه أيضا).. لا تنس أبدا، أن تلقي تحية ما، أو كلمة لطيفة علي الناس أثناء مرورك، ولو حتي كانت صباح الخير.. سيكون الرد الذي تتلقاه غالبا أكثر ترحيبا مثل صباح الفل.. أو صباح القشطة.. ويشعر المصري بمنتهي الاهتمام منك لو سألته عن أخبار صحته.

< توقع أن الحياة معقدة بما يكفي للمصريين.. كما هي معقدة بالنسبة لك.. لا تصدع رأسهم بالشكوي من مشاكلك.. خاصة لو كانت مشاكل خاصة بالحياة في القاهرة.. ثق بأن المصري يعاني ـ كما تعاني ـ من هذه المشاكل.. ويعاني منها بشكل يفوق الوصف ويفوق تصورك.. لكن سكوت المصري عن هذه المشاكل ليس أبدا علامة علي الرضا.

< أرجوك.. اعترف بفروق التوقيت بين مصر وأمريكا.. وبين المصريين والأمريكان.. طبيعة التعامل مع الوقت في مصر نتيجة منطقية لطبيعة الحياة فيها.. لا تنتظر ضيوفك علي العشاء أبدا في الموعد الذي حددته لهم.. ورتب نظامك علي هذا الأساس حتي تريح وتستريح.

< رتب نفسك علي أن تنجز ثلث ما تخطط له كل يوم.. هذا إنجاز عظيم! القاهرة مدينة معقدة.. وكبيرة.. والزحام فيها رهيب.

< لا تتصور أبدا أن مجرد كونك أمريكيا يجعلك أفضل، أو أكثر ذكاء من المصريين، أو أنك تمتلك حكمة كل الأجيال.. هذه من أشد النقاط استفزازا للمصريين.

< لا تتصور أن كل شخص في مصر يسعي وراء أموالك، ولا تُحمل كل الناس ذنب صاحب المحل النصاب الذي باع لك بضاعة بسعر مبالغ فيه.

هذه بعض الخطوط العريضة.. أو الملامح العامة للحياة في القاهرة.. هذه هي القواعد الي قدمها المؤلف للتعامل مع الجانب اللطيف، أو السَمِح فيها.. لكن الجانب الآخر.. الخانق.. المرهق.. السخيف.. هو أمر له قواعد.. وترتيبات أخري.

إن طبيعة الحياة اليومية في القاهرة، تحمل وسط أنفاسها المجهدة.. عشرات التعقيدات.. والمضايقات.. والاختناقات التي يمكن لها أن تطغي.. وتغطي بسهولة علي أي جانب جميل من الحياة فيها.. والأسوأ أن من يسقط في شباكها.. لا يمكن أن يخلص نفسه منها.

يقول المؤلف: إن طرق المعيشة في القاهرة هي الأكثر صعوبة.. وأن الوقت فيها يتعرض لحالة استهلاك غير آدمي.. الحياة اليومية في القاهرة هي ضغط مستمر علي الأعصاب.. وعلي الأسنان.. ويشعر المصري طوال الوقت كما لو كان متعلقا بآخر باب في آخر عربة من آخر قطار يغادر المحطة.. دون حتي أن يتأكد من إمكانية ركوب هذا القطار.. وتنقطع أنفاس الناس، بالمعني المجازي والفعلي، وهم يلاحقون الحياة في القاهرة.

الهم المشترك بين المصريين، في مواجهتهم مشاكلهم، هي أن حل كل مشكلة في القاهرة يستهلك دائما وقتا أكثر من اللازم.. بينما يتم إنجاز امور أقل من اللازم.. ونادرا ما ينتهي شيء ما في نفس اليوم الذي بدأه فيه.. ولا ينتهي أي شيء إلا بالإلحاح المستمر عليه.

في قلب ذلك كله يكمن الزحام.. واختناق المرور.. يقول المؤلف: إن القاهرة دائما مليئة بالبشر، من الصباح حتي المساء لا تتغير الصورة في المدينة تقريبا: الأتوبيسات مزدحمة.. وكذلك الشوارع الرئيسية.. والشوارع الجانبية.. ووالكباري والأنفاق والحارات.. من المستحيل أن تري الشوارع هادئة في مصر إلا يوم الجمعة.. البشر في حالة احتكاك مستمر.. والاحتكاك يؤدي للتدافع.. والتصارع.. والتلامس.. بالنسبة للأجانب هذا شيء يثير الغيظ، بالنسبة للمصريين هذا شيء يقطع النفس.. القاهرة مدينة متعبة.. لأن الزحام فيها يشبه أي زحام تراه في أي عاصمة كبري.. لكنها محرومة من كل الخدمات والتسهيلات التي تخفف من هذا الزحام.. والتي تعتبرها شعوب العواصم الأخري من أبسط بديهيات الحياة.

قدم بيل دريك بعض القواعد للتعامل، أو التعايش مع زحام واختناق القاهرة:

< لا تنتظر أبدا أن ينتهي مشروعك في الوقت المحدد له.. إلا إذا كنت أنت، وأنت وحدك أساس نجاحه وسير العمل فيه.

< تجنب بكل الطرق، أن تجد نفسك عالقا في زحام القاهرة بين الساعة 15.8 و10 صباحا.. أو بين الساعة 1 و30.2 ظهرا.. أو بين الساعة 6 و7 في المساء.

< لا تتعب نفسك.. وأجل كل مشاريعك، ومشاويرك ليوم الجمعة من كل أسبوع.

كانت أحد أكثر الأجزاء إثارة في كتاب بيل دريك، هو الجزء الذي تناول فيه كيفية إدارة مناقشات مع المصريين.. كان المؤلف يحاول أن يضع للأجانب المقيمين في القاهرة، دليلا إرشاديا لفهم تفكير أهلها.. بسؤالهم عما هو مهم، أو غير مهم بالنسبة لهم.. للتعمق اكثر في الشخصية المصرية.. وضع المؤلف الأسئلة.. وترك لنا إجاباتها.. وهي أسئلة.. قد يعتبرها الأجنبي مجرد مفاتيح مناقشة ذكية مع أهل مصر.. لكنه لن يعرف غالبا، أن إجابات هذه الأسئلة، تلخص حال مصر.. بأمراضها.. واضطرابها.

حاول أن تتخيل ردك لو سألك أحد الأجانب هذه الأسئلة.. ضع في اعتبارك أنه سيتبع نصيحة المؤلف، وسيسألك هذه الأسئلة من باب فتح الحوار.. وزيادة التعارف.. وليس للتخابر أو إرسال تقارير لدولته.. وحاول أن تجد إجابات لهذه الأسئلة، فربما ساعدتك علي أن ترسم في ذهنك صورة لمصر.. أو أن تفهم ما الذي يهم في النهاية لك.. أو للناس.. مثلا:

< ما الذي يحدد المكانة الاجتماعية للناس في مصر؟.. علي أي أساس تعتبر أن هذا الشخص أو ذاك من الطبقة الراقية؟ ما شكل أبناء الطبقة الراقية في المجتمع المصري؟

< ما الأوصاف التي يستخدمها المصريون لوصف أي شخص مثقف، متعلم تعليما جيدا؟ بعبارة أخري؟ ما قيمته في أعينهم؟

< ما أكثر ثلاثة تصورات شائعة عن المصريين في ذهن العرب والثقافات القريبة منهم؟

< هل مكانة المصري الاجتماعية تؤثر فيها عوامل الدين والمال؟ أم أنها ترجع لكفاءاته الشخصية؟

< هل الثروة، أو الأصل، او النوع شروط لازمة للحصول علي أي منصب رسمي في مصر؟

< هل تتغير أوضاع الناس الاجتماعية بالإنجازات الاقتصادية التي تعلن عنها الحكومة؟

< هل هناك مجموعة من الأفراد أو العائلات التي تحتل مكانة إجتماعية مسيطرة في مصر؟ وهل يمكن تحديدها بسهولة؟

يقول بيل دريك: إن المصريين لا يحبون الأسئلة العريضة.. لو سألتهم عن الحياة بمعناها الواسع.. وعن مدي الاستمتاع او المعاناة فيها.. فسيردون عليك بنظرة مبهمة لا تفهم معناها.. الأفضل أن تسألهم أسئلة أكثر بساطة:

< هل يفكر المصريون في المستقبل أم أنهم مشغولون أكثر من اللازم بواقعهم؟

< هل السمة الأغلب في الشباب المصري هي التعاون.. أم التنافس وقطع الطريق علي بعضهم البعض؟

< هل يستمتع معظم الناس في مصر بوظائفهم أم أن العمل عندهم شر لابد منه؟

< ماذا تفعل لو سألك مصري سؤالا مباشرا، وانتظر منك إجابة مباشرة.. رغم أن الإجابة المباشرة لن تعجبه غالبا؟ (ولذلك يفضل اللف والدوران؟)

< كيف يفكر الناس في مصر في فكرة القدر؟ هل هو نتيجة لجهودهم الشخصية؟ أم أنه يتأثر بقوي أعلي منهم؟ وكيف يتعاملون هم مع هذه القوي؟

< ما معني الصديق الحقيقي في مصر؟ وما مسئوليات الصديق اليوم؟

< ما القيم الأساسية التي يُعلمها الأجداد لأحفادهم اليوم؟

< من كان أبطال مصر فيما مضي؟ ومن أبطالها اليوم؟ وما الفارق بين القيم التي يدعمها أبطال الأمس وأبطال اليوم؟

< ما السلطة الحقيقية التي تتحكم في تصرفات الناس مع بعضهم؟ هل هي خبراتهم التاريخية السابقة؟ أم قلقهم من الغرباء؟ أم خوفهم من السلطة؟

< هل يتعامل المصريون مع مشاكلهم بعنف أم أنهم يهربون منها؟ ومن الذي يتحمل نتيجة الخطأ بشكل عام؟ المسئول أم الموظف؟ الكبير أم الصغير؟

< كيف يتعامل الناس في مصر مع النقد؟ ما أفضل طريقة يمكن أن تنقل بها ملاحظاتك أو انتقاداتك لرئيس.. أو لمرءوس؟

< كيف يمكن أن يثق المصريون فيمن يرونه لأول مرة؟ من الذي يتمتع بمصداقية عندهم؟ هل هو علمه؟ ثقافته؟ سمعته؟ أم مجرد اتصاله بمؤسسات وجهات أكبر منه؟

كان المؤلف متفائلا بالشعب المصري، فقد شعر، لسبب ما، خاص به، بأن الشعب المصري شعب متسامح مع الأسئلة السياسية.. ولن يكتب تقريرا عمن يسأله هذه الأسئلة للأجهزة الأمنية.. يعني أن المصريين ليسوا مثل أي شعب بوليسي آخر في المنطقة العربية.. لذلك أعطي لنفسه الحرية في طرح الأسئلة التي ترسم الوضع السياسي في بلادهم، بنفس الحرية التي وضع بها الأسئلة في المجالات الأخري.

< هل هناك أي تهديدات حاليا علي الاستقرار السياسي لمصر؟ وما الذي ينبغي علي الهيئات الأجنبية فعله في هذا الأمر؟

< كيف تختبر السلطة السياسية في مصر مدي قوتها؟ هل عبر المؤسسات التقليدية العادية؟ أم بالقبضة العسكرية.. أم الأداء الاقتصادي.. أم بالتأثير في الرأي العام؟

< لو أننا رسمنا صورة للمشهد السياسي المصري.. من الأفراد أو الجماعات الذين يمكن أن يكونوا اللاعبين الأساسيين فيه؟.. سواء ممن هم ظاهرين أو من وراء الكواليس؟!

< في مواقف الحياة.. متي تلعب السياسة دورا؟ وإلي أي مدي يسمح للأجانب بأن يقولوا رأيهم في السياسة؟
تحت التسميات: | 2 تعليقات »

2 التعليقات:

غير معرف يقول...

مصر دائما مزدحمة دى الطبيعة هى دى الحياة وأهلها بيحبو كده\\\\\\ليس من حق أى شخص أن يقول عنها شيء قبيح فهو لم يعاشر أهلها\\\\\\لأنه اذا عاشرهم فسيجد أنهم ليس كما كان يظنها\\\\\\\\\\\\\

كريم يقول...

انا معاك من حيث الشكل لكن هو لم يسىء اليها كما يقولقال المؤلف إن القاهرة مدينة قذرة مليئة بأشخاص في منتهي النظافة.. الجو مترب.. والشوارع مغبرة.. والزحام خانق.. لكن الناس يحافظون علي نظافتهم الشخصية قدر المستطاع.وبشكرك على التواصل

إرسال تعليق

تعليقك يشجعنى على الاستمرار فلا تبخل.

اشترك ليصلك الجديد

Enter your email address:

Delivered by FeedBurner

اخر المواضيع


القرأن الكريم

TvQuran

���� ������'s Fan Box

غيبوبة جنون

بلغات اخرى

English French German Spain Italian Dutch

Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified
by : ghyboba

�����

Blog Archive

اخر التعليقات