- بيننا نحن المصريين وبين الملائكة عمار.. حالة من العشم والود والثقة لا تفسير لها سوى طيبة هذا الشعب وفطرته السليمة، نحن فى مصر لا نحب الملائكة لأنها مخلوقات النور فقط، ولا نؤمن بها لأن الله قد أمرنا بذلك، هى بالنسبة لنا أكبر من كونها شرط اكتمال للإيمان، وأكبر من مجرد نموذج للجمال والنور، هى بالنسبة لنا تمثل تلك المساحة الأسطورية الغيبية التى ترتبط بوجدان المصرى منذ أن كان فرعون ينير العالم بعلومه وفنونه، وحتى أصبح مواطنا يعانى الضعف والمرض والفقر والجهل فى عصر الرئيس مبارك.
الملاك الثالث يكون أمام الإنسان، والملاك الرابع يكون خلفه حتى يدفع عنه السيئة التى تصيبه وتحفظه، وهذان الملكان هما فى اقتناع المصريين للحماية من الحوادث مادام الله لم يكتب على الإنسان لقاء ملك الموت.
الملاك السادس مكانه على الجبين وحكمة وجوده فى هذا المكان هى حس الإنسان على التواضع ومنع روح الكبر من السيطرة عليه، وعلى شفتى الإنسان يمكث ملكان.. الملاك السابع للشفة العليا والملاك الثامن للشفة السفلى ومهمتهما الأساسية تسجيل الصلاة على الرسول عليه الصلاة والسلام لا أكثر. أما الملكان الثامن والتاسع فيمكثان بجوار العينين ولا تقتصر مهمتهما كما تعتقد على حراسة العين من الأذى البدنى، بل تتعدى إلى ماهو أهم وهو غض البصر، أما الملاك العاشر فمهمته جسدية فى المقام الأول ومكانه «البلعوم» حيث يحمى الإنسان خاصة فى وقت نومه من أن يدخل فى فمه أى شىء يؤذيه.
لو ركزت قليلا مع الملائكة العشرة فسوف تكتشف أن الحماية الملائكية لا تقتصر على الجانب البدنى، ولكنها تمتد أيضا للجانب الأخلاقى، وإذا كنت من المشككين فى الكلام السابق فيمكنك أن تنظر إلى ماهو أبعد إلى تلك النقطة التى جعلت المصريين أو المسلمين عموما يخترعون قصصا من هذا القبيل لا على سبيل الدعابة ولكن على سبيل التذكير، فليس معقولا أن تنظر عينك إلى المحرمات وأنت تعلم أن ملاكا قائما عليها، كما أنه ليس من المقبول أن يذكر أحدهم اسم رسول الله عليه الصلاة والسلام دون أن تصلى عليه وأنت تعلم أن هناك ملكين يسجلان ذلك، إنه نوع من الفلسفة الشعبية ياسيدى فلسفة توضح تلك الرغبة القوية لدى المصريين أو المسلمين بشكل عام فى أن يشملهم الله برعايته، ولن يكون هناك أصلح لتلك المهمة من الملائكة الذين أخبرنا القرآن أنها تدعو للمؤمنين منا، وتطلب المغفرة للعاصين منا، وأخبرنا الرسول الكريم أنها تشاركنا صلاة يوم الجمعة كما جاء فى الحديث الصحيح: (إذا قال الإمام «غير المغضوب عليهم ولا الضالين» فقولوا آمين.. فإن الملائكة يقولون آمين، وإن الإمام يقول: آمين، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه).. كما أنها أى الملائكة- هى رمز البشرى هى التى تبنى قصور الجنة وتسبح بحمد الله وتحمل عرشه، وهل يوجد أفضل من المسبحين بحمده والحاملين عرشه ليسعى الإنسان لرفقتهم والإيمان بهم؟!
هى عشرة إذن ولكن من نوع مختلف، خلقها قرار إلهى يأمرنا بالإيمان بالملائكة على نفس قدر إيماننا بالرسل والكتب المنزلة، ورغبة دائمة فى الارتباط بماهو وراء الغيب، وحبا لذلك النور الذى خلقت منه الملائكة ونفتقده فى حياتنا، وحلما بأن تطغى طهارتهم ونقاؤهم على أمور حياتنا لتعيد تنظيفها، وربما كان هذا الحب للملائكة نابعا أيضا من الخوف أو محاولة للتقرب من أولئك الذين وظفهم الله لكتابة أعمالنا الإنسانية كما قال سحانه وتعالى: «وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين. يعلمون ما تفعلون» بمعنى أن بجواركم أيها الناس ملائكة يحفظون أعمالكم عليكم ويسجلونها من دون أن يضيعوا منها شيئا.





0 التعليقات:
إرسال تعليق
تعليقك يشجعنى على الاستمرار فلا تبخل.