(3).. عندما كفّنوني ووضعوني في النعش حيا

الثلاثاء، ٢٢ ديسمبر ٢٠٠٩ بواسطة كريم
واصل الكاتب الكبير الراحل مصطفى محمود سرد سيرته الذاتية الممتعة بنفس قدر إمتاع أعماله وكتاباته المختلفة والتي توالي نشرها في حلقات جريدة المصري اليوم، ويتحدث في هذا الجزء عن بداياته مع عالم الكتابة؛ كاشفا عن مفاجأة أن أول من علّمه فيه فنون كتابة القصة والرواية كان القرآن الكريم؛ وتحديدا قصص الأنبياء التي يوليها اهتماما شديدا في قراءتها.


الغريب أن أعمال مصطفى محمود في بداياته الأولى لم يكن لها سوى ناقد واحد فحسب هو صديقه الوحيد صديق الطفولة فرج الذي يقول عنه مصطفى محمود: لقد كان أول قارئ لكتاباتي وناقدي الوحيد، وفي أحيان كثيرة كان يشير عليّ بتغيير مضمون القصة من اللامنطق إلى المنطق حتى يتقبلها عقله.

ويسترسل الراحل في الحديث عن صديقه فرج؛ مؤكدا أنه اختاره بعناية اتباعا للحديث الشريف الذي كان دائما ما يتلوه أبوه على مسامعه: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل"؛ وبالتالي كان فرج صديقا له في تجاربه وشطحاته أيضا؛ حيث يقول مصطفى محمود: حتى بعد التحاق فرج بمدرسة الثانوية العسكرية والتحاقي بالمدرسة الثانوية بطنطا؛ فإننا لم نفترق، وكوّنا مصنعاً سوياً، وكوّنا فريق عمل يكمل كل منا الآخر؛ فكان يصنع هو القوالب المعدنية من الصلب والنحاس؛ بينما كنت أنا شغوفاً بالكيمياء والطبيعة، واستعنت في ذلك بمحتويات المعمل الذي سلّمته لنا المدرسة، وقمت بتجارب معملية بعضها فاشلة، وكانت تتسبب في تمزيق ملابسي وإحداث انفجارت كادت تتسبب في موتي وموت فرج؛ لدرجة أن أمي صرخت فيّ ذات مرة: إنت مش خايف إنك تموت من اللي إنت بتعمله ده.

ضعف سمع الطبيب تسبب في تكفيني


ويتعرض مصطفى محمود للمرحلة التي بدأ معها بالفعل يشعر أن أعماله من الممكن أن يكون لها صدى جيد، وتلقى الرواج المطلوب عندما أرسل خطاباً لأخيه يحدثه فيه عن أيام المصيف التي يقضيها بمدينة بورسعيد، وكان صديق أخيه وقتذاك هو محمود محمود الصياد، أحد نجوم التجويد، وعندما قرأ ذاك الأخير الخطاب بشر أخا مصطفى محمود بأن أخاه سوف يكون له شأن كبير فيما يكتب، أما المناسبة الثانية؛ فكانت فوزه بجائزة المدرسة لأحسن قصة باللغة الإنجليزية يدور موضوعها عن أكثر الأحلام رعبا، وربما لا تتعجب لماذا فاز مصطفى محمود بهذه الجائزة عندما تعرف أن ما رواه لم يكن مجرد حلم مرعبا بل كان حقيقة عاشها كالتالي:
"كنت في هذه الأيام مريضا جدا ودرجة حرارتي منخفضة وضربات قلبي ضعيفة؛ لذلك استدعت أسرتي الطبيب الذي كان سمعه ضعيفاً فلم يسمع ضربات قلبي؛ فظن أنني فارقت الحياة فتوجه إلى الأسرة بوجه شاحب يتصبب منه العرق قائلا: "البقاء لله، لقد مات هذا الولد المسكين"؛ فما كان من أمي إلا أن رقعت بالصوت، وحزن جميع أفراد العائلة على فراقي، وكفّنوني ووضعوني في النعش؛ ولكني استعدت وعيي بعد وقت قصير وفتحت عيني لأجد نفسي في ظلمة دامسة وملتّما بالكفن؛ فشعرت بالرعب الشديد لما أنا فيه، وثارت في ذهني أسئلة متعددة وكان بينها: أين أنا؟ وكيف سأخرج من هذا النعش؟ وعندما استعادتني الأسرة كانت فرحة بلا وصف، وربما كان هذا الحادث داعيا لأن يطلقوا عليّ لقب الممسوس أو الملبوس، وسهّل لي لقب المشرحجي فيما بعد.

خرجت من البيت وعشت حياة الصعلكة



وعلى طريقة الأمريكان قرر مصطفى محمود الخروج من البيت وإكمال حياته بمفرده، عندما وجد أن أفكاره لا تلقى الترحاب بشكل مستمر من والدته؛ خاصة في ظل رغبته في مواصلة دراسته للطب والكتابة والعزف على الناي وغيرها، وهو الأمر الذي لم تحتمله والدته بسبب خوفها عليه؛ فكانت دائما ما تقول له: أنت هتموت نفسك بنفسك؛ فقرر الرحيل عن البيت من أجل أن يعيش حياته بقدر الحرية الذي يبحث عنه.

"ذهبت أبحث عن بانسيون، فوجدت بانسيون مناسبا لإمكانياتي في حلوان، فقمت بتأجير حجرة به، وعملت محررا صحفيا بمجلة النداء الوفدية، وبدأت مرحلة قاسية جدا في حياتي؛ حيث عملت محررا صحفيا براتب اثني عشر جنيها شهريا، وعشت حياة الصعلكة التي يعيشها معظم الصحفيين ببداية حياتهم، وبدأت أدفع ضريبة قراراتي عندما أصبت بمرض التيفود، وجاءني أخي مختار، وقال لي: آدي آخرة المشي البطال وعدم سماع النصيحة والعناد.. خف بسرعة عشان ترجع البيت، أمك هتموت عليك.

ويختتم مصطفى هذه الجزئية بأنه تعلم من هذا العام الكامل الذي قضاه خارج المنزل بأنه إذا أردت أن تكون شيئاً في عالم الصحافة يجب عليك أن تكمل دراستك في عالم الطب فتكتب وأنت طبيب، واكتشف أيضا أن الأدب والمجد في اتجاه والهلس الصحفي في اتجاه آخر.

أنيس منصور كان دائما ما يشاكسني


في هذا الجزء من مذكرات الراحل مصطفى محمود يتحدث عن بدايته الحقيقية في عالم الصحافة والتي كانت مقدماتها من خلال عمله في مجلة آخر ساعة مع كامل الشناوي الذي كان يقول له هو ويوسف إدريس: إنتم مش طلبة كلية طب إنتم طلبة كلية طب جميلة، في إشارة إلى كلية الفنون الجميلة.
وقتها علمت أن الاستمرار بالبيت مستحيل

بعد فترة أنشأ كامل الشناوي جريدة المسائية واستكتب فيها مصطفى محمود وعدداً آخر من الكتاب، ومن هنا نشأت الصداقة بين مصطفى محمود وأنيس منصور الذي كان دائما ما يشاكس مصطفى محمود ويقوم بتغيير الاسم الذي يمضي به في آخر المقال، وهو (م.م) (م.ع) ويضحك في هذه الجزئية مصطفى محمود ويقول: كنت أنهي كتابة مقالي بتوقيع م.م؛ فكان ينتظرني حتى ينتهي الجميع من أعمالهم وينزل إلى المطبعة ويغير الإمضاء إلى م.ع وكنت أغضب كثيرا، وعندما أذهب للتحقق مما حدث أعرف أنه أنيس؛ فأقول له يا أخي يعني إنت مستكتر عليّ حتى الحرف.
ثم ينتقل مصطفى محمود للحديث عن الفترة التي عمل بها بمجلة التحرير بعد الثورة، ويعتبرها البداية الحقيقية لمصطفى محمود -الكاتب الصحفي- وهو نفس الوقت الذي شهد بداية عمله كطبيب في مصحة ألماظة للحميات الموجودة بمنطقة نائية بالصحراء، وبالتالي كل هذه الظروف ساعدت على ولادة المفكر والأديب والفيلسوف بداخله الذي أبدع في "الله والإنسان" و"عنبر 7" و"رائحة الدم".

تحت التسميات: | 0 تعليقات »

0 التعليقات:

إرسال تعليق

تعليقك يشجعنى على الاستمرار فلا تبخل.

اشترك ليصلك الجديد

Enter your email address:

Delivered by FeedBurner

اخر المواضيع


القرأن الكريم

TvQuran

���� ������'s Fan Box

غيبوبة جنون

بلغات اخرى

English French German Spain Italian Dutch

Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified
by : ghyboba

�����

Blog Archive

اخر التعليقات