يوميات ضابط شرطة (2)

الثلاثاء، ٦ يوليو ٢٠١٠ بواسطة كريم
حكيت لها عن المواطن فريد شوقي أحمد عبد العال الذي تم القبض عليه، وبعد وجبة التعذيب لم يتحمل جسده ضغط المخبرين على عنقه، فلفظ أنفاسه الأخيرة، لكن الشرطة أجبرت والده على دفن الجثة فجر اليوم التالي، وفي حراسة ست عربات من قوات الأمن المركزي.
وصلنا إلى النادي في حدود الساعة الثامنة مساءً، ووجدت خبر ترقيتي قد انتشر بين الأعضاء والعاملين وحتى أفراد الحراسة والجرسونات في المطعم، وجاء مدير النادي لتهنئتي، ثم قام بتذكيري بطلب سابق له كنت قد نسيته، وهو يريد فقط تخويف جاره المقيم في الشقة المقابلة ليعرف أنه في حماية ضابط شرطة كبير يستطيع لو أراد أن يطرد كل سكان العمارة!
كان حديث الضباط عن الدكتور محمد البرادعي يتسم بنوع من الثقة أن المعارضة المصرية ستسقط في المصيدة، وحتى لو قام الرئيس بتغيير بعض مواد الدستور ليترشح رئيس جمعية التغيير، وقام باراك أوباما نفسه( القذافي قال بأن اسمه الحقيقي بركة حسين أبو عمامة!) بمراقبة صناديق الاقتراع، فإن اللواء حبيب العادلي قادر على استبدالها قبل أن يتناول المراقبون الأجانب طعام الإفطار.
قال أحد الضباط الصغار بأنه لو جمع الدكتور البرادعي عشرة ملايين توقيع بالتفويض له فإنها في عُرف النظام لا تساوي قيمة أوراق صحف للف الفول والفلافل، وأنك لا تستطيع أن تقدم للذئب احتجاجًا مكتوبًا على افتراسه للحملان والغزلان الضعيفة، ويمكن أن يحصل منافس جمال مبارك على تسعة وأربعين في المئة من الأصوات، لكن ابن الرئيس سيصبح الرئيس الابن، وستنتهي مصر بين يدي مبارك الثاني، وسنقترض من إسرائيل بفوائد مضاعفة لشراء مياه تعويضا عن منع مياه النيل عن المصريين.
طوال السهرة ونحن نتبارى في حكايات عن التعامل الوحشي والذئبي والغليظ والمهين مع المصريين، وكان معنا الضابط محمد محمود الشرقاوي الذي كان يفتخر بأنه اعتقل أسرة مكونة من أحد عشر شخصًا ، واقتادهم أمام جيرانهم إلى نقطة شرطة زهراء حلوان، وأذاقهم العذاب ضعفين.
ابتسم له ضابط آخر وقال له بأنه قام بتعذيب المزارع أحمد محمود سالم في قسم شرطة كفر صقر، وصعدت روحه إلى بارئها دون أن يرف للضابط جفن!
اتسعت ضحكة الضابط الجالس بجواره وقال وهو ينفخ نفسه حتى كاد القفص الصدري يتهشم:أما أنا فقد ألقيت جثة ناصر محمد حسين عارية حتى تعفنت في مزارع قرية ميدوم ببني سويف، ولما احتج الأهالي حاصرنا القرية، وتلقى رجالها ونساؤها وجبات متتالية من التعذيب والتحرش، وتعلموا بعدها أن المصري حصل على شهادة حشرة موقعة باسم الرئيس حسني مبارك!
في المنضدة المجاورة كان يجلس أحد الضباط المعروفين بسادية لا مثيل لها، ونظر إلينا، وارتفعت نبرة صوته، وقال وهو ينتظر أن نقوم من أماكننا ونعانقه على بطولاته: أما أنا فقد جعلت أربعة اشخاص يعترفون في مركز شرطة طوخ على قتل خالد عبد التواب ، وتم الحكم عليهم فعلا، فالسجن أرحم من السلخ في تخشيبة الشرطة، وبعد ثلاث سنوات تم القبض، مصادفة، على القاتل الحقيقي، ولم تعاتبنا أي جهة في مصر كلها، فنحن في حماية الرئيس مبارك .. عدو المصريين الأول.
وهنا وقف أحد الضباط المتمرسين في التعذيب وكأنه خرج من بطن أمه وفي يده كرباج، وقال وهو ينظر باستخفاف للجميع لأن حكاياتهم تصلح للأطفال: أما أنا فقد قمت بتعذيب بدر الدين جمعة بقسم المنتزه، وقمت بصعقه بالكهرباء في جهازه التناسلي، وأحضرت زوجته وهددته بأننا سنغتصبها أمامه إن لم يعترف بقتل ابنته الصغيرة جهاد( 9 سنوات ) رغم أنه هو الذي أبلغ عن اختفائها.
وفعلا وقـَّع الرجل على اعتراف كامل من نسج خيالنا، وفيه تفاصيل تعذيب ابنته، وحلق شعر رأسها، ونقلها إلى المزلقان، وإلقاء جثتها في المصرف المواجه له. ولم يتراجع الرجل عن اعترافاته خشية أن يقع بين أيدينا مرة أخرى، وحكم عليه القضاء بخمس سنوات سجن، وكان السجن جنة للأب مقارنة بعبقرية التعذيب في الفكر الأمني المصري.
وبعد فترة عادت الطفلة إلى البيت، وقامت والدتها بابلاغ شرطة المنتزه بعودتها، فقمنا بحبسهما، الأم والطفلة، ثلاث عشرة يوما.
ونظر الضابط إلى الجميع وقال بلهجة المعتز بجرائمه: ألم أقل لكم أنني الأكثر ولاءً للرئيس حسني مبارك؟
ظهر القلق على أحد الضباط الذي يقال عنهم من العامة بأنهم شرفاء، وأمناء، ومثلهم عشرات الآلاف ممن لم يأخذوا حظهم من الإعلام، لأننا، نحن أعداء الشعب، المسلطة علينا الأضواء، فقال وعلامات الخوف تكاد تقفز على وجهه كله: أخشى أن يأتي الوقت الذي يخاف ضابط الشرطة من السير في أي شارع، أو الخروج من بيته بدون حراسة، أو حتى الذهاب إلى عمله!
ثم أكمل قائلا: نحن على مرمى حجر من انتفاضة لا تبقي ولا تذر، وسيتم سحلنا في شوارع القاهرة ومعنا الرئيس مبارك وولداه وزكريا عزمي وصفوت الشريف وحبيب العادلي وأحمد عز ورؤساء تحرير الأهرام والأخبار والجمهورية، فالشعوب إذا انتقمت لكرامتها تصبح الأشجار مشانق على جانبي الطريق.
إنني أطالبكم بالتخفيف من القبضة الحديدية، فهؤلاء أهلنا، وأبناء شعبنا، ومواطنو بلدنا!
وفجأة انفجر الجميع ضحكاً، وظننا أن به مسًَا من الجن والجنون، وقال له أحدنا: هل تستطيع أي قوة في مصر أن ترفع رأسها من تحت حذاء الرئيس مبارك؟ ثلاثون عاما والمصريون يمضغون الصبر صمتًا، وكل طائفة تعادي الأخرى، والجيش انفصل عن الشعب، والشعب أصبح شعبين، والمعارضة انقسمت سبعين شعبة، كل شعبة تؤكد أنها الوحيدة التي شربت من ماء النيل.
كانت فرحتي عارمة بالاستماع إلى الزميل الذي كاد يقسم بأن الرئيس مبارك حيٌّ لا يموت، وأننا لا نعبد إلا إياه، وأن ملايين التفويضات المصرية للدكتور البرادعي ستنتهي إلى سلة المهملات، وأننا نحن الأغلبية الساحقة في وطن تحول إلى مقبرة لم نقرأ أمامها الفاتحة بعد...
انتهت السهرة، وعدت إلى البيت وأنا أنظر من نافذة السيارة ولا أسمع إلا همسًا، فالدكتور البرادعي في لندن يجتمع مع ثلاثمئة مصري وقد طلب أن لا تنقل وسائل الإعلام وقائع المؤتمر، والدكتور أيمن نور في المستشفى، ومجدي أحمد حسين لا يتذكره إلا بعض الأوفياء من أصدقائه، والإخوان المسلمون منشغلون بالمعارضة تحت قبة البرلمان حيث يلعب الجميع مثل توم وجيري، والأقباط شغلهم النظام بالزواج من ثانية، والبهائيون منشغلون بخانة الديانة في البطاقة الشخصية، وشباب مصر على الفيس بوك يتبادلون صورهم، وينشئون مجموعات لا تحرك شعرة من موضعها، ومصر لم تعد هبة النيل، والرئيس مبارك يحكم بنصف غيبوبة، والشعب المصري يتحكم فيه خيال المآتة فيسقط قلبه في ركبتيه، والشيخ خالد الجندي تتسع ابتسامته الجميلة لكنه لم يسمع عن السجون والمعتقلات وانتهاك كرامة المواطن، والفنانات يقمن الدنيا احتجاجًا على رأي أحد الكتاب في الحجاب، لكنهن لم يسمعن عن قانون الطواريء ...




وصلت وزوجتي إلى البيت قبل منتصف الليل بقليل، وسمعت ضحكة خفيفة آتية من الحمام وزوجتي تنزع باروكتها الصفراء،
وسألتها عن سبب فرحتها، فقالت لي: الآن يمكنني أن أطمأن عليك وعلى أولادنا وبناتنا، ولو مشيت بمفردك في حقول مظلمة وخرج عليك كل الذين عذبت أقاربهم، واغتصبت زوجاتهم، وهتكت أعراض بناتهم، وعلقتهم كالخرفان في سقف مكتبك الأنيق، فلن يمسك أحد منهم بسوء، لأن المصريين لم يغضبوا بعد، فـَهـُم لا يرون في مصر كلها مشهدا واحدا يستحق أن يغضبوا من أجله أو من أجل أولادهم!

تحت التسميات: | 0 تعليقات »

0 التعليقات:

إرسال تعليق

تعليقك يشجعنى على الاستمرار فلا تبخل.

اشترك ليصلك الجديد

Enter your email address:

Delivered by FeedBurner

اخر المواضيع


القرأن الكريم

TvQuran

���� ������'s Fan Box

غيبوبة جنون

بلغات اخرى

English French German Spain Italian Dutch

Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified
by : ghyboba

�����

Blog Archive

اخر التعليقات