خطاب الرئاسة الاول لجمال مبارك

السبت، ١٠ يوليو ٢٠١٠ بواسطة كريم

حاولتُ بصعوبةٍ بالغةٍ أنْ أتخيّلَ بعْضَ تفاصيل الخِطابِ الأوّلِ للرئيس جمال مبارك بعدما اعتلىَ عَرْشَ مِصر مُفترضاً أنه سَيُلقي علىَ مَسَامِع المصريين ما يفكر فيه حقيقة وليس ما يُظهره كلُّ الطواغيت مِنْ صورةٍ مشرقةٍ توحي للمستمعِ بأنَّ كاتِبَ نَصِّ الخِطابِ استقاه مِنْ الشِرّعة العالميةِ لحُقوق الإنسان!
كم ودِدْتُ أنْ أشعر بقيمتي في قمع معارضةٍ كبيرةٍ، أوّ اطلاق النار علىَ عدةِ آلافٍ من المتظاهرين الباحثين عن كرامتهم، أو حتىَ أشعر بأصغر خطر من ثمانين مليوناً من نسْل الفراعنةِ وهاضمي حضاراتٍ سادَتْ ثم بادَتْ، لكنني حزينٌ حُزنا جَمّاً، فالسوط لا قيمة له إنْ لمْ يصرخ مَنْ يُلهبهُ ظهْرُه، أما الذين لا يجدون قوتَ يومِهم، ولا عمل لديهم، ويبللون فراشَهم من الحزن والضعفِ وقلةِ الحيلةِ، وتأكل أجسادَهُم أكبادٌ تتآكل بفعل المرض والفيروسات، ثم يخرجون عن بكرة أبيهم يحتفلون بانتصارات في الملاعب الخضراء وهزائم في المستشفيات البيضاء لأجسادٍ صفراء طوال عهودٍ سوداء، فلا أظن أنني ساشفق عليهم طوالَ فترة حُكمي إيّاكم.
صباح اليوم، أيها الاخوة المواطنون، اجتمعتُ مع أصدقائي الحيتان، وقمتُ بتوزيع المكافآتِ عليهم، لكنني للحقيقةِ اعتذرت عن بعض الطلبات غير الموفقة زمنياً، فقد طلب صديقي الوفيّ أنْ أكتب سيناءَ باسمِه، واستجداني آخرٌ أنْ أخَصّخِصّ البترولَ، وأمنحه باطنَ الأرض له ولاولادِه، وطالب ثالثٌ باحتكار بطون المصريين في الأرض الزراعيةِ كُلِّها، لكنني عاتبت أحدَهم عندما طلب عقدَ تمليكٍ لنهر النيلِ، وذكرّته بالمليارات التي سمحتُ أنا له بنهبها عندما كنتُ نائبَ ديكتاتور، فأطرق خجلا، ثم وافق علىَ أنْ أمنحه فرعيّ رشيد ودمياط و .. احتكار السماد.
كنتُ أراقبكم ورقيا وإلكترونياً، وأقرأ لكبار مُحَلليكم، وأعمدةِ الثقافةِ والاستراتيجيةِ ، وصحافةِ المعارضة، والفيس بوك، والمواقع والمنتديات، وأضرب كفاً بكفٍ، وأكادُ أسقط علىَ الأرض من الضحك الهستيري، فأنتم لأكثر من ربع قرن ظللتم في سنة أولى سياسة، وترتكبون أخطاءً في الرؤىَ السياسيةِ كأنكم لا تعرفون الفارقَ بين الألف والعصا، فكنتم تُرَشّحون عمرو موسى وهو ابنُ الخارجية المصرية، وتجمعون آلافَ التوقيعات للدكتور البرادعي الذي لم يطلب منكم دَعْمَه أو توريطه في معارضتِنا، أو تطلبون من الدكتور أحمد زويل أنْ يترك أمْريكَتَه، وعمله كمستشارعلمي لسيّد البيتِ الأبيض ليعود إلى مصر، ويقبل ترشيحَكم، ويُسْحِله ضباطُ الأمن علىَ سلالم دار القضاءِ كما فعلوا مع الدكتور أيمن نور.
كنتُ مندهشاً وكل منكم يؤكد للآخر بأنني وجهٌ غيرُ مقبول، وأنَّ الشعبَ لن يوافق، وأنْ المؤسسة العسكرية لها كلمتها العليا، فإذا بكم جميعا أمامي تتبرعون بكل صنوف العبودية والمهانة والاستكانة، أما جيشُكم البطل فلا يتنفس أيٌّ من جنرالاته قبل أنْ آذن له، ولا يرفع أحدٌ منهم عينيه أمام حذائي، فثقافة العبيد صنعها والدي لأبناءِ مصر طوال عهده، فلما تسلمت مقاليدَ الحُكْم هالني أنْ أرى تلك المازوخية السائدة التي تستعذب المهانة، وتغبطها المسكنة، وتتلذذ بالحط من شأنها.
حتى علاقاتكم في الغربة أصبحت نماذجَ يخجل منها الشرفاءُ، فهي خليط من الضغينةِ والحسد والضرب في الظهر والغيبة والنميمة، فكل الجاليات الأجنبية في الخليج وليبيا وأوروبا وأمريكا تتكاتف، وتتعاون، وتخرج في مظاهرات من أجل بلدها، لكنكم تتقوقعون، وأكبر همومكم لا تخرج عن تحويشة، وتحويل أموال لبناء بيت في مصر، أما الدفاع عن الوطن، والتظاهر أمام السفارة المصرية، ورفض منع الرئيس إياهم حق الاقتراع، وإنشاء تجمعات مصرية خالية من الصراعات السطحية العبثية فكلها خارجة تماما عن اهتمامات المصري في غربته.
إنني، أيها المواطنون المصريون، أستعد لادخالكم عصر ما بعد الفاقة، وعهد ما بعد الفقر، وجحيم ما بعد الكوارث والفواجع، ووباء ما بعد الأمراض والسموم، ومذابح ما بعد الفتنة الطائفية، ولن يهتز يقيني لحظة واحدة بأنكم أعداء مصر، وأن جيشكم البطل، وأجهزة الاستخبارات والأمن، وعشرات الآلاف من القضاة وممثلي السماء على الأرض، ورجال الدينين الاسلامي والمسيحي، لن يعاتبونني ولو على استحياء، وأن القضية ليست خوفا مني أكثر مما هي كراهية دفينة يحملها المصري لابن وطنه.
لو كنتم تحبون مِصْرَكُم وقرأتم مقالا واحدا لابراهيم عيسى أو الدكتور عبد الحليم قنديل أو سكينة فؤاد أو حمدي قنديل أو فهمي هويدي أو الدكتور أسامة رشدي أو الدكتور أحمد صبحي منصور أو الدكتور يحيي القزاز أو محمد شرف أو الدكتور محمد عباس أو مجدي أحمد حسين أو قصيدة لفاروق جويدة أو أحمد فؤاد نجم أو عبد الرحمن يوسف أو عشرات من الذين حملوا لواء فضح جرائم أسرتنا لما بات أحدُكم في بيته قبل أنْ تعَلقوا لنا المشانقَ في ميدان التحرير، لكن عدمَ ثقة المصري بأخيه وابن بلده جعلتم تسخرون من كل من يريد تحريرَكم، وتصدقون أيّ شائعات عن كل من حاربني، أنا ووالدي، من أجلكم.
استخراجُ ورقة رسمية، المرورُ على الجمرك، زيارة قسم الشرطة للشهادة، البحث عن ملف في محكمة، شراء وبيع في كل ساعات النهار، دروس خصوصية، أسعار ملازم جامعية، زيارة لمستشفى، تعامل مع موظف حكومي، خلاف مع رئيس في العمل، البحث عن رخصة قيادة مصادرَة في قلم المرور، زيارة لصيدلية، خلاف مع الجيران، شكوى عن غش في مشتروات، و ... آلاف من الاحتكاك اليومي بين المصريين فلا تعثر على سِرِّ تلك الكراهية التي يحملها المصري لأخيه حتى لو كان خارجاً من مسجد أو كنيسة بعدما تطهر أمام الله.
لو أن كل مصري نزع الغِلَّ من صدره، وأحَبَّ ابن بلده المسلم والمسيحي والبهائي واللاديني والمؤمن وغير المؤمن، ومد يده لأخيه المختطف خلف قضبان في سجون عتيقة، ودافع عنه، ورفض التعذيب والاغتصاب وانتهاك الكرامة، ودافع عن حقه وحقوق أبناء بلده في القضاء على البطالة، والعلاج المجاني لغير القادرين عليه، ورفض الغش، واعتبار المخدرات اغتصابا لأولادكم في وضح النهار، وتقدير كل كلمة في أي مقال أو تحقيق عن تجاوزاتنا مهما صغرت، واحتقار المنافقين والأفاقين، واعتبار رئيس الدولة خادماً لديكم وليس العكس، لما وصل بكم الحالُ إلى هذا البؤس.
قوتي في حمقى وجبناء وقلوب قاسية وأفئدة مليئة بالكراهية ونفاق تتقزز منه الكائنات الأخرى وستعثرون عليها بسهولة في هؤلاء الغوغاء الذين دافعوا، ويدافعون عني في الصحف القومية، وفي الجيش الذي كان بطلا، وفي أجهزة المخابرات، الهجّانية سابقا، وفي مليون ضابط وشرطي ومخبر وبلطجي يعملون تحت حذائي وخدما للصوص أسرتنا، وفي مجلس الشعب الذي صنع قوانين الكذب ، وصفق للغش، وتولى شرعيا حماية قاتليكم، وفي أربعين ألف قاض، ومئتي ألف محام، وفي الملتقيات الإعلامية التي تستقطب أصحاب القلم من رجال الأمن الإعلاميين، وتسعة ملايين عاطل عن العمل يفضلون مَدَّ أيديهم لذويهم الفقراء عن مَدِّ أيديهم لصفع وجوهٍ خدعتهم، وخذلتهم.
تحت التسميات: | 0 تعليقات »

0 التعليقات:

إرسال تعليق

تعليقك يشجعنى على الاستمرار فلا تبخل.

اشترك ليصلك الجديد

Enter your email address:

Delivered by FeedBurner

اخر المواضيع


القرأن الكريم

TvQuran

���� ������'s Fan Box

غيبوبة جنون

بلغات اخرى

English French German Spain Italian Dutch

Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified
by : ghyboba

�����

Blog Archive

اخر التعليقات